ليست الحرية كما يتوهما أكثر الناس مقصورة على نوال الشعوب حقها في السيادة والاستقلال ، فتلك هي الحرية السياسية ووراءها حلرية الأمة في تفكيرها وثقافتها واتجاهاتها الإنسانية الكريمة.
وليست الحرية كما يظنها كثيرمن الشباب أن ينطلق وراء أهوائه وشهواته، يأكل كما يشاء ، ويفعل ما يشاء ، ويحقق كل ما يهوى ويريد ، فتلك هي : الفوضى أولا والعبودية الذليلة أخيراً.
أما إنها فوضى ، فلأنه ليس في الدنيا حرية مطلقة غير مقيدة بقانون أو نظام ، بل كل شيء في الدنيا له قانون يُسّيره وينظمه، وحرية الفرد لا تصان إلا حين تقيد ببعض القيود لتسلم حريات الآخرين ، ومن هنا كانت الحكمة من الشرائع والدساتير والأنظمة والقوانين...
إن تمام الحرية قد يكون بالمنع أحياناً
فالمريض حين يُمنع عن الطعام الذي يضره ، إنما تحد حريته في الطعام مؤقتا لتسلم له بعد ذلك حريته في تناول ما يشاء من الأغذية ، والمجرم حين يُسجن إنما تُحدّ حريته مؤقتا، ليعرف كيف يستعمل حريته بعد ذلك في إطار كريم لا يؤذي نفسه ولا يؤذي الناس .
وأما إنها العبودية ، فلأن تمام الحرية هو أن لا يستعبدك أحد مما يساويك في الإنسانية أو يكون دونك فيها ـ وفي الفوضى التي يعبر عنها بعض الناس " بالحرية الشخصية " عبودية ذليلة لمن هو مثلك أو دونك من قيم الحياة ومادتها .
حين تستولي على الإنسان عادة الانطلاق وراء كل لذة ،والانفلات من كل قيد،يكون قد استعبتدته اللذة على أوسع مدى،وأصبح أسيرها،يجري في الحياة تحت إرادتهاووحيها،لايعمل إلامايريد،ولايستطيع فكاكاً مماتهوى..فماهذه الحرية التي تنقلب إلى عبودية لأهون ما في الحياة من قيمة ومعنى؟؟