( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تـُـصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)
قرأ حمزة والكسائي (فتثبتوا ) من التثبت . أما الباقون فتبينوا من التبيين أن تصيبوا أي لئلا تصيبوا ، ف ( أن ) في محل نصب بإسقاط الخافض) . قوما بجهالة ) أي بخطأ لئلا تصيبوا قوما برآء مما قذفوا به بجناية بجهالة منكم ) فتصبحوا على ما فعلتم ) على العجلة وترك التأني ،، فتندموا على إصابتكم إياهم بالجناية التي تصيبونهم بها .
إن الآية الكريمة تضمنت ذم التسرع في إذاعة الأخبار التي يخشى من إذاعتها، ولقد عاب ربنا تبارك وتعالى هذا الصنف من الناس، وعلل ذلك بقوله : { أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} ما يوحي بخطورة التعجل في تلقي الأخبار عن كل أحدٍ، خصوصاً إذا ترتب على تصديق الخبر طعنٌ في أحد، أو بهتٌ له
قال ابن كثير رحمه الله :
يأمر تعالى بالتثبت في خبر الفاسق ليحتاط له ، لئلا يحكم بقوله فيكون في نفس الأمر كاذباً أو مخطئاً
فيكون الحاكم بقوله قد اقتفى وراءه ، وقد نهى الله عز وجل عن اتباع المفسدين ..
ويقول السعدي رحمه الله في تفسيره:
هذا أيضاً من الآداب التي على أولي الألباب التأدب بها واستعمالها وهو أنه إذا أخبرهم فاسق بخبر أن يتثبتوا في خبره ولا يأخذوه مجرداً فإنّ في ذلك خطراً كبيراً ووقوعاً في الإثم ، فإنّ خبره إذا جعل بمنزلة خبر الصادق العدل حُكِمَ بموجب ذلك ومقتضاه فحصل من تلف النفوس والأموال بغير حق بسبب ذلك الخبر مايكون سبباً للندامة
بل الواجب عند خبر الفاسق التثبت والتبين فإن دلت الدلائل والقرائن على صدقه عمل به وصدق
وإن دلّت على كذبه كُذّب ولم يعمل به..انتهى
يا ايها الذين آمنوا إذا جاءكم الفاسق بأي نبإ فتوفقوا فيه وتطلبوا بيان الأمر وانكشاف الحقيقة
ولا تعتمدوا على قوله ولا تتسرعوا بإطلاق الأحكام ,,,فان من لا يبالى بالفسق فهو أجدر أن لا يُبالى بالكذب ولا يتحاماه....
وإن من المؤسف أن يجد المسلم خرقاً واضحاً من قبل كثير من المسلمين لهذه القاعدة القرآنية المحكمة: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}، وازداد الأمر واتسع مع وسائل الاتصال المعاصرة كأجهزة الجوال والإنترنت وغيرها من الوسائل
وهنا سأسدي لأخي القاريء نصيحة لوجه الله تعالى :
لا تتسرع في إطلاق الأحكام ، ولا تستند إلى تخمينات البتة ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنّ المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار! )
رواه مسلم
وتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( كفى بالمرء كذباً أن يُحدّث بكل ما سمع ( رواه مسلم
أخي القاريء : والآن سل نفسك بعد قراءتك هذا الحديث هل ستبقى سريعا في الحكم وبث الإشاعات وقالات الفسّاق أم أنك ستعاهد الله عدم فعل ذلك ثانية ؟؟؟؟؟؟؟