الإحسانُ صفةٌ محمودةٌ يستطيعُ بها الإنسانُ أن يؤثِّرَ على عواطف الآخرين، ومن ثمَّ عقولهم وسلوكهم؛ لأنّ النفس الإنسانية مجبولةٌ على حبِّ من أحسنَ إليها.
وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم سيّدَ المحسنين في كل باب من أبواب الإحسان، فقد روى البخاري ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم ما سُئلَ شيئاً قطّ وقال: لا .
وعن أنس بن مالك أنه صلى الله عليه وسلم أعطى رجلاً غنماً تملأُ ما بين جبلين فرجع الرجل إلى قومه وهو يقول: " يا قوم أسلموا فإنَّ محمداً يُعطي عطاءَ من لا يخشى الفقر" . رواه مسلم
ويخبرنا من لا ينطقُ عن الهوى عن ربِّه أنه يكون في عون المُحسن إلى أخيه ما دام يُحسنُ إليه، وأيُّ خيرٍ أعظمُ من أن يكون ربُّ العالمين عوناً له، وهل هناك إكرامٌ أعظم من هذا الإكرام؟ والله تعالى يقول : { وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } سبأ :39.
عشرات الآيات الكريمة والأحاديث النبوية تدلُّ على الإحسان وفضل أهله؛ ومن الغلط الفاحش، والجهل بدين الإسلام، أن يزهدَ الإنسانُ في الإحسان إلى مستحقيه لمجرَّدِ توهمِ أنَّ الذي يتناولُ الإحسانَ يُسيء إلى من أحسن إليه .
وهذه المقولة ليست آية ولا حديث وإنما يُقال أنها كلام أحد السلف رحمهم الله تعالى
فما معنى هذه المقولة بعد كل ما سبق ذكره ؟؟؟؟؟؟
قال الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى في "تفسيره" : هذا قول صحيح؛ لأنك حين تُحسن إلى شخصٍ تدكُّ كبرياءَه , وتكون اليد العليا عليه، فإذا ما أخذ حظاً من الحياة وأصبح ذا مكانةٍ بين الناس، فإن كان غيرَ سوي النفس فإنه لا يحب من تفضَّل عليه في يوم من الأيام ودكَّ كبرياءَه ، لذلك يكره وجودَه ، ولا يحبُّ أن يراه , و ربَّما دبَّرَ لك المكائد لتختفي من طريقه، وتُخلي له السَّاحة ؛ لأنك الوحيد الذي يُحرجُه حضوركَ , ولأنه يُخزَى ساعة يراك، وهو يريدُ أن يتعالى , ووجودُكَ يكسرُ عندَه هذا التعالي .
وقال أيضاً : اتق شر من أحسنت إليه : لماذا لأنَّ الذي أحسنت إليه مرَّت به فترة كان ضعيفاً محتاجاً، وأنت قوي فأحسنت إليه، وقدَّمت له المعروف الذي قوَّم حياتَه فأصبح لك يدٌ عليه، وكلَّما رآكَ ذكرتَه بفترة ضعفه .
وقال القرطبي في "التفسير" : قال القشيري أبو النَّصر : قيل للبجلي أتجدُ في كتاب الله تعالى ( اتق شر من أحسنت إليه ) قال : نعم { وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ} التوبة :74.
فبعد كل هذا عليك أخي العاقل أن توطّن نفسك لسماع الشرّ والنكران والجحود ممن أحسنت َ إليه ولا يكن شره مانعا ً لك لفعل الخير أبداً بل ليكن دافعاً لك على المزيد من الاحسان والخير والمعروف
ولا تنتظر شكراً منه وأعلم أنك تتعامل مع رب ّ كريم لا حرق ولا سرَق ولا غرق عنده