روى الإمام أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وغيرهم عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «اضمنوا لي ستًا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم»؛ .
إنه ضمانٌ بضمانٍ ووفاءٌ بوفاءٍ؛ «اضمنوا لي ستًّا من أنفسكم أضمن لكم الجنة». ستًّا من الأعمال ما أيسرها، وأمورًا من أ بواب الخير ما أخفها وأسهلها، من قام بها في حياته، وحافظ عليها إلي مماته، فالجنة له مضمونة، وسبيله إليها مؤكدة مأمونة {وَأُزْلِفَتِ الجَنَّةُ لِلمُتَّقِيْنَ غَيْرَ بَعِيْدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيْظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيْبٍ * اُدْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ ذَلِكَ يَوْمُ الخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيْهَا وَلَدَيْنَا مَزِيْدٌ} [ق: 31- 35].
فأما الخصلة الأولى من هذه الخصال فهي: الصدق في الحديث:
فالمؤمنُ صادقٌ في حديثه، لا يعرف الكذب إليه سبيلاً، ولا يزال محافظًا على الصدق في حياته إلي أن يُفضِي به صدقه إلى الجنة، وفي الحديث: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِيْ إِلَى البِرِّ، وَالبِرُّ يَهْدِيْ إِلَى الجَنَّةِ، وَلاَ يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيْقًا»؛ رواه مسلم.
وأما الخصلة الثانية فهي: الوفاء بالوعد والالتزام بالعهد:
وهي سمةٌ من سمات المؤمنين، وعلامة من علامات المتقين، فهم لا يعرفون خلفًا في الوعود، ولا نقضًا للعهود, والوفاء صفة أساسية في بنية المجتمع المسلم؛ حيث تشمل سائر المعاملات، فالمعاملات كلها والعلاقات الاجتماعية والوعود والعهود تتوقف على الوفاء, فإذا انعدم الوفاء انعدمت الثقة وساء التعامل وساد التنافر.
وأما الخصلة الثالثة فهي: أداء الأمانة:
وهي من أعظم الصفات الخلقية التي مدح الله أهلها وأثنى على القائمين بها, وهي من كمال إيمان المرء وحسن إسلامه, وبالأمانة يحفظ الدين والأعراض والأموال والأجسام والأرواح والعلوم وغير ذلك، وفي الحديث: «المؤمن من أَمِنَه الناس على أموالهم وأنفسهم»؛ رواه أحمد.
وإذا سادت الأمانة في المجتمع عظُمَ تماسُكه, وقَوِيَ ترابطه, وعمَّ فيه الخير والبركة.
وأما الخصلة الرابعة فهي: حفظ الفروج:
أي: من أن تفعل الحرام أو تقع في الباطل {وَالذِيْنَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُوْمِيْنَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ العَادُوْنَ} [المؤمنون: 5- 7]، وفي حفظ الفروج حفظٌ للنسل, ومحافظة على الأنساب, وطهارة للمجتمع, وسلامة من الآفات والأمراض.
الخصلة الخامسة من هذه الخصال العظيمة هي: غض البصر:
أي: من النظر إلى الحرام, والله يقول: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوْجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيْرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوْجَهُنَّ ..} الآية [النور: 30، 31].
وغضُّ البصر فوائدُهُ عظيمةٌ؛ فهو يُورِثُ العبد حلاوةَ الإيمان، ونور الفؤاد, وقوة القلب, وزكاء النفس وصلاحها, وفيه وقايةٌ من التطلُّع للحرام والتشوُّف للباطل.
وأما الخصلة السادسة فهي: كف الأيدي:
أي: عن إيذاء الناس، أو الاعتداء عليهم، أو التعرُّض لهم بسوء, والمُؤذِي لعباد الله يمقَتُه الله ويمقَتُه الناس وينبذه المجتمع، وهو دليلٌ على سوء الأخلاق وانحطاط الآداب, وإذا كفَّ الإنسانُ أذاه عن الناس دلَّ ذلك على نبيل أخلاقه وكريم آدابه وطيب معاملته, وحظِيَ بعظيم موعود الله في ذلك, فكيف إذا سَمَا خُلُق الإنسان وعظُمَ أدبه ولم يكتفِ بذلك, حتى أماط الأذى عن سبيل المؤمنين وجادّتهم, روى مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مرَّ رجلٌ بغُصْنِ شجرةٍ على ظهر الطريق فقال: واللهِ لأُنَحِّينَّ هذا عن المسلمين لا يُؤذِيهم، فأُدخِل الجنة»؛ رواه مسلم.
فهذه أبوابُ الجنة مشرعة, ومنارتها ظاهرة, وسبيلها ميسرة, فلنغتنم ذلك قبل الفوات، ولنستكثر لأنفسنا من الخير قبل الممات.