إن المسلم مطالب أن يدفع السيئة بالحسنة، وهي مسألة شاقة على النفوس لا يصل إليها إلا الصابرون والراغبون في الأجور الكثيرة عند الله تعالى
قال تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ(فصلت:34-35) .
وأخرج مسلم وغيره من حديث أبي هريرة أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليه ويسيئون إلي وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت قلت فكأنما تسفهم المَلَّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك.
ومعنى قوله تسفهم المل كما قال النووي : كأنما تطعمهم الرماد الحار، وهو تشبيه لما يلحقهم من الإثم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم
هذه الذي ذكرناه هو المرتبة العليا في معاملة الخلق ، لكن من لم يقو على ذلك ، أو ينكفّ عنهم أذاه بإحسانه ، وكان يخشى من مخالطتهم أن يضروه بأي شكل من أشكال الأذى والضرر ، فله أن ينقطع عنهم ، ويهجرهم ، اتقاءً لشرهم .
قال ابن عبد البر رحمه الله :
" وأجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث إلا أن يكون يخاف من مكالمته وصلته ما يفسد عليه دينه ، أو يولد به على نفسه مضرة في دينه أو دنياه ، فإن كان ذلك فقد رخص له في مجانبته وبعده ، ورب صرم [أي : مقاطعة وهجر] جميل خير من مخالطة مؤذية .